• رئيس التحرير: صلاح عبدالله العطار

  • En

لبنان.. آمال في سيناريو إيجابي مع صندوق النقد رغم الاحتياجات التمويلية الكبيرة..

 وسط مساع لتلبية احتياجات تمويلية كبيرة تساعده على التعافي وإعادة الإعمار يسارع لبنان الخطى نحو سيناريو إيجابي للتوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي لتجاوز تحديات غير مسبوقة تتطلب تنفيذ خطة إصلاح اقتصادي شاملة.وبينما يتطلع لبنان إلى الحصول على نحو ثلاثة مليارات دولار عبر قروض ميسرة من صندوق النقد فإنه توجد تقديرات دولية بشأن الاحتياجات التمويلية بعد الأزمة الاقتصادية والحرب الأخيرة التي شنها الاحتلال الإسرائيلي على أراضيه ربما تتجاوز عشرة مليارات دولار.ويأمل لبنان أن يشكل الاتفاق التمويلي مع صندوق النقد جواز مرور له نحو الدعم الدولي الذي يحتاجه في ظل أزمته الاقتصادية المستمرة منذ عام 2019 التي تفاقمت مع آثار حرب الاحتلال الإسرائيلي الأخيرة وتداعياتها.وشهد لبنان مؤخرا زيارة لبعثة من صندوق النقد الدولي عقدت خلالها مع المسؤولين اللبنانيين جلسات لمناقشة أطر العمل المشترك في ضوء التطورات الاقتصادية والمالية تمهيدا "لبلورة برنامج إصلاحي يعيد التوازن المالي ويعزز النمو ويحمي الفئات الضعيفة وصولا الى تفاهم أولي يمهد لاتفاق تمويلي يعزز الاستقرار النقدي في البلاد".وفي هذا الصدد أكد وزير المالية اللبناني ياسين جابر في تصريح لوكالة الانباء الكويتية (كونا) أن المفاوضات مع بعثة صندوق النقد الدولي "تسير بإيجابية وأن الصندوق نفسه اعتبر أن هناك تقدما ملموسا فيما خص الانتظام المالي والسير بالإصلاحات المرجوة" معربا عن أمله ألا تنعكس التطورات الأمنية في المنطقة سلبا على لبنان.وقال جابر إن وزارته أنجزت العديد من الخطوات الإصلاحية ومنها ما كان مدار نقاش مع صندوق النقد و"أبرز ما تحقق إنجاز قانون السرية المصرفية وإقراره في مجلس النواب وكذلك إنجاز قانون تنظيم المصارف الذي أحالته الحكومة الى المجلس ليدرسه تمهيدا لإقراره".وأضاف أنه لا يزال "قانون الفجوة المالية واسترداد أموال المودعين" مطلبا من ضمن الخطوات الإصلاحية إذ إن هناك أكثر من تصور بشأنه لتعتمد "دراسة تقوم على أسس واقعية وهو أمر من مسؤولية مصرف لبنان الذي ينتظر استكمال تعيين نواب الحاكم الأربعة بعدما خطت الحكومة خطوتها بتعيين حاكم جديد".وأعرب وزير المالية اللبناني عن تفاؤله بتحقيق نتائج إيجابية خصوصا أن "هناك تصميما وإصرارا من رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس النواب والحكومة على السير بالإصلاحات المطلوبة ليست لأنها مطلب دولي بل لأنها حاجة وقناعة لبنانية داخلية".ولفت إلى أن هذا التصميم والإصرار من كبار المسؤولين في البلاد "نلمسهما ترجمة في الإسراع بإقرار القوانين التي تحيلها الحكومة على مجلس النواب وإقرارها بالسرعة المطلوبة".من جانبها قالت رئيس معهد باسل فليحان المالي والاقتصادي لميا المبيض العضو في الفريق اللبناني الرسمي المفاوض مع صندوق النقد الدولي ل(كونا) إنه "بحسب نظام الصندوق يمنح البلد العضو فيه قروضا ميسرة وفقا لمساهماته في الصندوق وبالتالي لبنان يتطلع وفق هذه المعايير للحصول على نحو ثلاثة مليارات دولار أمريكي بينما الحاجات التمويلية بعد الأزمة الاقتصادية والحرب الأخيرة تصل الى 8 مليارات ما يضطرنا إلى اللجوء للدول المانحة".وأضافت المبيض أن "مهمة صندوق النقد تكمن في التحقق من السلامة المالية لكي لا تؤثر على الاستقرار المالي والنقدي للبلاد وأن المطلوب من لبنان التقدم على مسار الإصلاحات المالية والإدارية".ولفتت إلى ان موقف الصندوق "تقني" غير مرتبط بالسياسة وهو موقف يعود لسنوات تجاه لبنان وذلك بالتشديد على أن طريق الحل لا يكون إلا من خلال "إعادة الانتظام المالي".من جهته قال رئيس قسم الاقتصاد في صحيفة (الجمهورية) أنطوان فرح ل(كونا) إن "المحور الأساسي في المحادثات يدور حول عقد اتفاق لبرنامج تمويل" لافتا إلى أن أهمية الوصول الى هذا الاتفاق مع صندوق النقد الدولي تكمن في أنه يعطي "إشارة إيجابية على سلوك الحكومة اللبنانية ما يشكل ذلك تأشيرة تسمح للبنان بالحصول على المساعدات المالية الدولية".وأكد فرح سير المفاوضات مع الصندوق بالاتجاه الصحيح و"إنما ببطء وهي ملاحظة عبر عنها وفد الصندوق إذ إن الأمور تحتاج الى تسريع".وقال إن قانون السرية المصرفية من الخطوات المطلوبة من قبل الصندوق وقد أقر قانونها في البرلمان وأيضا إصلاح المصارف الذي يبحث كمشروع قانون في البرلمان والذي "يحث صندوق النقد الدولي على الإسراع ببته".وأشار إلى أن القانون الأهم في عملية الإصلاحات المالية المسمى بقانون الفجوة المالية وهو القانون الذي يحدد عملية توزيع خسائر الودائع المصرفية ومن الجهة التي ستدفع لإعادة الودائع للناس وكم هي حجم المبالغ التي ستعود و"هذه من الأمور الأكثر تعقيدا".واعتبر فرح أنه "لن يتم توقيع اتفاق لبرنامج تمويل مع صندوق النقد الدولي إذا لم يبت بما يسمى قانون الفجوة المالية" مشيرا الى وجود صعوبة في إقراره الآن قبل إجراء الانتخابات النيابية في ربيع العام المقبل وإن كان هناك في لبنان من يرى إمكانية أن يوافق الصندوق على عقد الاتفاق بمجرد خروج مشروع قانون بصدده من الحكومة وقبل إقراره في البرلمان.ولفت فرح إلى أن لبنان على موعد لزيارة وفد صندوق النقد الدولي في سبتمبر المقبل وعندئذ يعود للصندوق التقدير إذا ما كنا نتجه الى عقد اتفاق قبل العام الحالي أو يتأخر الأمر إلى الصيف المقبل. وكان وزير المالية اللبناني ياسين جابر أكد بعد لقائه حاكم مصرف لبنان كريم سعيد الذي زار واشنطن أخيرا واجتمع الى مسؤولي صندوق النقد الدولي أن قانون تنظيم القطاع المصرفي سيقر من قبل البرلمان خلال الفترة القليلة المقبلة على أن ينطلق بعدها العمل على إعداد قانون الفجوة المالية.وأوضح أن المطلوب هو التحضير لقانون الفجوة المالية حيث "يحتاج مصرف لبنان إلى أدوات إحدى هذه الأدوات كان قانون رفع السرية المصرفية ومن سيتولى القيام بهذه الإجراءات الضرورية هي لجنة الرقابة على المصارف" ما يستوجب الإسراع في الاتفاق على تعيين نواب حاكم مصرف لبنان ورئيس وأعضاء لجنة الرقابة على المصارف.وقال الوزير جابر عن مقاربة موضوع الفجوة المالية إنه "وبعد رفع السرية المصرفية بحاجة إلى الفريق الذي سيدخل إلى المصارف ليدرس أوضاعها وينظمها وهذا الفريق هو لجنة الرقابة على المصارف الذي عليه المهمة الأولى ثم ترفع العملية إلى المجلس المركزي لمصرف لبنان لترفع بعدها إلى الوزراء المعنيين ثم إلى الحكومة ومنها إلى البرلمان".بدوره أكد وزير الاقتصاد الأسبق آلان حكيم في تصريح ل(كونا) انه "من دون مساعدة الأشقاء في دول مجلس التعاون الخليجي لا قيام للاقتصاد اللبناني كما لا إمكانية لإعادة الإعمار" لافتا إلى أن حاجة لبنان الى صندوق النقد الدولي تكمن في كونه ممرا إلزاميا لمجيء الدعم الدولي.وشدد على وجود "علاقة وثيقة" بين الاستقرار الأمني وحصر السلاح بيد الدولة من جهة والاستقرار الاقتصادي والمالي من جهة أخرى مشيرا إلى أن عدم الاستقرار يبعد الاستثمار.إن من الجدير ذكره أن لبنان وإن كان بأمس الحاجة إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي للدعم المالي والتقني والفني إلا أنه أيضا بحاجة شديدة لتنفيذ الإصلاحات المطلوبة منذ عقود ليتمكن من إعادة النهوض باقتصاده.ويرى عدد من الخبراء الاقتصاديين والماليين أن المردود الأهم من التوصل الى اتفاق مع صندوق النقد الدولي يتمثل في إعادة لبنان إلى "الخط الصحيح والشفاف" وإعادته إلى الدورة الاقتصادية الدولية بمراقبة وتدقيق دولي الذي من شأنه أن يعيد ثقة كل من المستثمر والريادي والمغترب في لبنان.وكانت المفاوضات بين الحكومة اللبنانية وصندوق النقد الدولي قد توقفت بعد أن عقد اتفاق أولي بينهما في ابريل 2022 على مستوى الخبراء بشأن السياسات الاقتصادية للاستفادة من "تسهيل الصندوق".وشهدت الآونة القليلة الماضية إعلان البنك الدولي موافقة مجلس المديرين التنفيذيين للبنك على تمويل بقيمة 250 مليون دولار للبنان لدعم ترميم وإعادة إعمار البنية التحتية الأساسية المتضررة على نحو طارئ واستعادة الخدمات الحيوية.وقال البنك إن التقييم السريع للأضرار والاحتياجات الناجمة عن آثار الحرب التي جرت خلال الفترة من 8 اكتوبر 2023 إلى 20 ديسمبر 2024 أظهر أن "إجمالي الأضرار المباشرة في 10 قطاعات رئيسة بلغ نحو 2ر7 مليارات دولار في حين قدرت احتياجات التعافي وإعادة الإعمار بنحو 11 مليارا".وكان لبنان قد دخل منذ عام 2019 أزمة اقتصادية ومالية حادة أدت إلى فقدان العملة الوطنية أكثر من 90 بالمئة من قيمتها وانكماش الناتج المحلي بما يقارب 60 بالمئة وقد اعتبر البنك الدولي أن هذه الأزمة تأتي ضمن الأزمات الاقتصادية الأسوأ على مستوى العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر.