شيئا فشيئا تستعيد منطقة وسط بيروت حيويتها الاقتصادية والتجارية والسياحية بعد سنوات من أزمات متلاحقة عصفت بها وأثرت بشكل مباشر على الحركة التجارية والأنشطة الثقافية فيها لتعود بذلك هذه المنطقة الحيوية إلى خارطة الاقتصاد الوطني كمركز جذب ثقافي وسياحي.وتمثل منطقة (وسط بيروت) القلب النابض للعاصمة اللبنانية لما تحتويه من مرافق تجارية وسياحية وثقافية ومراكز قرار سياسي إذ تحتضن ساحتي (النجمة) و(الشهداء) ومجمع (أسواق بيروت) اضافة الى منطقة (سوليدير) ذات الطابع المعماري الفريد ما يجعلها شريانا اقتصاديا بالغ الأهمية يرتبط بدينامية الاقتصاد اللبناني وانفتاحه على المحيط العربي والدولي.ويأتي هذا الحراك الجديد وسط جهود حثيثة تبذلها محافظة بيروت بالتعاون مع الجهات الرسمية والقطاع الخاص لإعادة احياء هذا المركز الاقتصادي الذي تأثر بشكل بالغ بجائحة (كوفيد 19) والانفجار المأساوي لمرفأ بيروت عام 2020 الى جانب تبعات الأزمة الاقتصادية وانتهاء بحرب الاحتلال الاسرائيلي الأخيرة.ويرى المسؤولون اللبنانيون ان الجهود الرامية الى اعادة النهوض بهذه المنطقة الحيوية تعد خطوة محورية نحو استعادة الثقة بالاقتصاد الوطني وتشجيع الاستثمارات المحلية والعربية والدولية على العودة لممارسة نشاطها خاصة بعد انتخاب رئيس للجمهورية وحكومة جديدة.من جانبه قال محافظ بيروت القاضي مروان عبود في لقاء مع وكالة الانباء الكويتية (كونا) اليوم الاثنين ان العاصمة بيروت تعاني منذ عام 2019 ازمات متتالية كان بينها جائحة (كوفيد 19) مرورا بالأزمة الاقتصادية والتظاهرات الاحتجاجية التي رافقتها ثم انفجار مرفأ بيروت الشهير وأخيرا حرب الاحتلال على لبنان الامر الذي أدى الى هجرة المؤسسات التجارية والاقتصادية والثقافية من وسط المدينة.واضاف عبود أن وسط العاصمة يعد بمثابة "قلب بيروت النابض بالحياة" لاحتوائه على نسبة كبيرة من اقتصاد المدينة ومرافقها الاقتصادية والسياسية الحيوية اضافة الى أماكن جذب سياحي يقصدها الزوار من داخل لبنان وخارجه.وأوضح ان محافظة بيروت قامت بالعديد من الاجراءات الهادفة الى التخفيف على اصحاب المحلات والمؤسسات التي تتخذ من وسط المدينة مقرا لها من خلال التخفيف من الإجراءات الإدارية ومنحهم اعفاءات ضريبية وتسهيل رخص المستثمرين لتشجيعهم على العودة وممارسة نشاطهم كما كان في السابق.واعتبر ان زيارة الرئيس اللبناني جوزاف عون الشهر الماضي الى وسط المدينة ووضعه حجر الأساس لترميم (ساحة الشهداء) واعادتها الى رونقها أعاد الامل بشأن عودة الاستقرار اضافة الى الاهتمام ب (ساحة النجمة) المعروفة بساحة البرلمان من خلال الاعتناء بإنارتها وبنيتها التحتية.وذكر ان المستثمرين عادوا الى منطقة (أسواق بيروت) واعيد افتتاح مختلف المحلات التابعة لشركات محلية واجنبية مشيرا الى ان المنطقة شهدت نشاطات فنية وثقافية باتت تستقطب الزوار كما كانت من قبل لاسيما وان الشوارع المجاورة لها تزدحم بالمطاعم والمقاهي المكتظة بالرواد.وبين عبود انه "لابد من الانتظار لبعض الوقت ليعود وسط بيروت الى رونقه السابق" وذلك مع استقرار الوضع الامني والسياسي العام اضافة الى الاوضاع في المنطقة بما يسمح بمجيء السياح العرب "ولاسيما أبناء دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية".واشار الى انه مع رفع حظر سفر مواطني بعض دول المنطقة الى لبنان بسبب المخاوف السابقة بدأت العاصمة بيروت تشهد "اقبالا متزايدا" من قبل مواطني تلك الدول معتبرا انه "لا قيامة للبنان الا بعودته الى محيطه العربي".واعرب المسؤول اللبناني عن امله مع انتهاء الاشغال في (ساحة الشهداء) وترميم الفنادق في المنطقة بسبب تأثرها بانفجار المرفأ بان تعود المنطقة من جديد مقصدا للزوار لافتا الى انه يجري العمل حاليا على تحسين الطريق الرئيسي الذي يربط وسط العاصمة بمطار رفيق الحريري الدولي.وفي موازاة الجهود الرسمية التي تقودها محافظة بيروت لإعادة تنشيط وسط العاصمة يبرز دور القطاع الخاص في دعم هذه المساعي من خلال مبادرات استثمارية وخطط لإعادة التأهيل ساهمت في تنشيط الحركة الاقتصادية وزيادة الإقبال على المحال والمرافق الحيوية في المنطقة.وفي هذا الاطار قال مدير عام شركة (سوليدير) زياد أبو جمرة ل(كونا) ان وسط بيروت يشهد انتعاشا "يعيد اليه روحه كمركز نابض بالحياة الاقتصادية والتجارية" بعد سنوات من التحديات الكبيرة كان أبرزها تداعيات انفجار المرفأ والأزمة الاقتصادية والحرب الأخيرة.واضاف أبو جمرة ان فتح الطرق ورفع الحواجز في منطقة وسط بيروت سمحا بربط مختلف المناطق ببعضها البعض الامر الذي دفع باتجاه زيادة ملحوظة في الحركة التجارية وارتفاع الطلب على المساحات التجارية فيها.واوضح ان نسب الاشغال التأجيرية في منطقة وسط بيروت تشير الى ان الشقق السكنية بلغت 95 بالمئة وفيما وصلت المكاتب الى 80 بالمئة وأما المحال التجارية فتتراوح ما بين 80 الى 85 بالمئة فيما بلغت نسبة العقارات الواقعة على الواجهة البحرية 95 بالمئة.واشار ابو جمرة الى وجود 97 علامة تجارية تعمل وتستقبل الزوار في منطقة أسواق بيروت متوقعا ارتفاع هذا العدد خلال الأشهر المقبلة مع وجود حوالي 15 علامة جديدة قيد التحضير.وعلى صعيد قطاع المطاعم والمقاهي اوضح ان هذا القطاع توسع بشكل لافت ليشمل حاليا 26 مطعما ومقهى من بينها 18 مطعما ومقهى تحمل أسماء معروفة محلية وعالمية لافتا الى وجود تواصل دائم مع المستثمرين محليا وخارجيا للعودة الى وسط بيروت.واعتبر ابو جمرة ان أرقام نسب الاشغال تعكس عودة "واعدة" للوسط التجاري للمدينة الى مساره الطبيعي كمركز اقتصادي وسياحي حيوي من منطقة (الصيفي) الى المرفأ مرورا بميناء (الحصن) وأسواق بيروت وصولا الى (ساحة النجمة).وتطرق مدير عام شركة (سوليدير) الى جهود اصلاح الأضرار الناتجة عن انفجار المرفأ في البنية التحتية والواجهات التي تدمرت بفعل الانفجار مشيرا الى تضرر منطقة أسواق بيروت بشكل كبير واصلاحها "من دون أي تغطية من شركات التأمين".وبين ان عقود الايجار "المدروسة" والتسهيلات التي قدمت للمستثمرين الى جانب دعم خاص للعلامات التجارية الجديدة ادت الى زيادة رغبة المستثمرين في استئجار المواقع التجارية مع مواكبة هذه الخطوات تحسينات واضحة في البنية التحتية والخدمات.واعتبر انه من دون بيئة آمنة ومستقرة لا يمكن جذب وتشجيع المستثمرين على اطلاق مشاريع جديدة "فالأمن والاستقرار السياسي ركيزتان أساسيتان لأي نهوض اقتصادي" مشيرا الى التنسيق الدائم مع محافظة بيروت وبلديتها والاجهزة الامنية لتوفير بيئة مستقرة.واكد ان عودة الحياة والنشاط التجاري الى وسط بيروت تمثل بداية فعلية "لمسار تعاف شامل" لمدينة بيروت كافة معتبرا ان المنطقة "ليست مجرد مركز تجاري أو إداري بل هي واجهة بيروت الحضارية ونموذج يحتذى به في التنظيم العمراني والتكامل بين الثقافة والاقتصاد والسياحة".وتعول الأوساط الاقتصادية والسياحية في لبنان على استمرار حالة الاستقرار السياسي والأمني لاستكمال مسار النهوض بوسط العاصمة خاصة في ظل المؤشرات الإيجابية المتزايدة على صعيد عودة الزوار والمستثمرين وانتعاش الأنشطة التجارية والثقافية ما يعيد لبيروت دورها الطبيعي كمركز اقليمي نابض بالحياة والانفتاح.ويأمل المعنيون أن تترجم هذه الدينامية المتجددة الى فرص تنموية مستدامة تعيد تموضع بيروت على الخارطة الاقتصادية والسياحية العربية والدولية وسط تأكيدات بشأن أهمية التكامل بين الجهود الرسمية والخاصة لضمان استمرارية النمو وتعزيز جاذبية وسط العاصمة كمقصد ثقافي وتجاري رائد في المنطقة.